لاقت فكرة "الأدب الأوربي" رواجا كبيرا
في العصور الحديثة، وقد ارتفعت نبرة الحماس لها في أوربا بعد نهاية الحرب
العالمية الأخيرة بصورة خاصة؛ إذ صارت بد يلا للنزعات المتقوقعة داخل أدبها
القومي، ولا سيما لدى الأقطار الأوربية الكبرى التي دارت بينها رحى القتال
في الحرب الكونية الثانية. وهكذا فقد استقبل باحتفاء كبير كل من كتاب
"المحاكاة" Mimesis لـ "إريش آوارباخ" Erich Auerbach الذي صدر في عام
1946، وكتاب "الأدب الأوربي والعصور الوسطى اللاتينية" - Europaeische
Literature und Lateinisches Mittelater European Literatre and the Latin
Middle Ages لمؤلفه "إرنست روبرت كورتيوس" Ernst Robert Curtius (نشر في
1948)، ثم من بعدهما كتاب "نظرية الأدب" Theory of Literature لـ " رينيه
فيلك " في عام 1949.
ذلك أن ثلاثتهم كانوا يدعون بحرارة إلى ما يدعونه "الأدب الأوربي"؛ فلا غرابة أن اعتبِروا في عداد المبشرين بوحدة الغرب (أوربا وأمريكا الشمالية) في مجال الأدب، وهو مجال نعلم جميعا الدور الخطير الذي يلعبه في إذكاء حساسية الشعوب وصورها بإزاء بعضها البعض إيجابا وسلبا خاصة في عصر "ترجمة" الأعمال الأدبية إلى لغة مرئية ومسموعة شديدة الذيوع والانتشار.
لذلك فنحن لا نعجب للحفاوة الخاصة التي استقبِل بها "إدجار رايخمان" Edgar Reichmann "تاريخ الأدب الأوربي" Histoire de la littérature européenne 1025p الذي صدر في هذا الكم الهائل من الصفحات (1025 ص)، (انظر "رسالة اليونسكو" العدد المزدوج يوليو أغسطس 1993)، واشترك في تحريره مائة وخمسون كاتبا ليس فقط من كافة أصقاع القارة الأوربية، وإنما بالمثل من خارج أوربا: من الهند يمثلها "كاربنتييه" Caprentier و "بورغس" Borges، ومن شمالي أفريقيا "بن جلون" Ben jelloun المغربي... إلخ. فالمحك الفيصل في "انتماء" هؤلاء الكتاب إلى ما يدعى "الأدب الأوربي" - على الأقل في نظر محرري هذا الكتاب: السيدين "آنيك بنوا – ديسوسوا" Annick benoit – dusausoy و"جي فونتين " Guy Fontaine - هو أنهم يدونون أعمالهم بإحدى اللغات الأوربية، ولو اختلفت الخصوصية الثقافية لكل من مجتمعاتهم عن كل من خصوصيات المجتمعات الأوربية التي تتخاطب باللغات التي يستعملونها في التعبير عن أنفسهم من خارج أوربا. وقد أثنى المعقب على هذا الكتاب - السيد "إدجار رايخمان" - بل كال الثناء في "رسالة اليونسكو" لمحرريه على ما تحليا به من روح تأليفية Synthétique " سمحة" جعلتهما يرحبان بضم أدباء من خارج أوربا إلى حظيرة "الأدب الأوربي" الذي يناديان به "مستقرا" لكل مبدع بإحدى اللغات الأوربية. كما أشاد السيد "رايخمان" باعتراف محرري هذا الكتاب (تاريخ الأدب الأوربي) بفضل الثقافات غير الأوربية على كتاب أوربا الكبار، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين، كمصدر للإيحاء والاستيحاء، فهما لا يغمطان من أثر ثقافات أفريقيا، والهند، والصين، وجزر ماليزيا في أعمال كل من: "كبلنج"، و"رامبو"، و"مالرو"، و"دانيل دوفو"، و"چول فرن"، و"چوزيف كونراد"... إلخ.
ويعتقد المعلق على هذا الكتاب السيد "رايخمان" أن محرري هذا العمل قد أفلتا من التورط في المركزية الأوربية، بكل هذه "السماحة"، وذلك "الانفتاح" على سائر بقاع العالم "غير الأوربي"، بينما يلتقطان "الخيوط المشتركة " بين شتى الآداب المدونة بلغات أوربية، حتى ما كان منها منتشرا خارج أوربا. فما هو ذلك "المشترك" بين تلك الآداب المتحدثة بألسنة أوربية بحيث يجعل منها أدبا ذا هوية واحدة؟"
إنه في رأي المحررين والمعلق معا: التراث الإغريقي والروماني المشترك، واليهودي المسيحي، والبيزنطي والأوربي الشمالي. ولعل محرري كتاب "تاريخ الأدب الأوربي" يشتركان مع سواهما من الكتاب الغربيين في تبرير ما يذهبان إليه من "وحدة الأدب الأوربي" بالتركيز على النقطة الأولى، وهي "التراث الإغريقي الروماني المشترك ". إلا أن هذه الدعامة الرئيسية واهية للغاية، ليس فقط بعد أن أثبت " مارتن برنال" Martin Bernal في كتابه "أثينا السوداء" Black Athena (1987) أن حضارتي مصر القديمة وما بين النهرين يشكّلان الأصول التاريخية لثقافتي الإغريق والرومان؛ ومن ثَم فقد كشف اللثام عن الأسباب التاريخية الحديثة التي أدت إلى الترويج لأسطورة "المهد الإغريقي الر وماني" للحضارة الأوربية...
ذلك أن ثلاثتهم كانوا يدعون بحرارة إلى ما يدعونه "الأدب الأوربي"؛ فلا غرابة أن اعتبِروا في عداد المبشرين بوحدة الغرب (أوربا وأمريكا الشمالية) في مجال الأدب، وهو مجال نعلم جميعا الدور الخطير الذي يلعبه في إذكاء حساسية الشعوب وصورها بإزاء بعضها البعض إيجابا وسلبا خاصة في عصر "ترجمة" الأعمال الأدبية إلى لغة مرئية ومسموعة شديدة الذيوع والانتشار.
لذلك فنحن لا نعجب للحفاوة الخاصة التي استقبِل بها "إدجار رايخمان" Edgar Reichmann "تاريخ الأدب الأوربي" Histoire de la littérature européenne 1025p الذي صدر في هذا الكم الهائل من الصفحات (1025 ص)، (انظر "رسالة اليونسكو" العدد المزدوج يوليو أغسطس 1993)، واشترك في تحريره مائة وخمسون كاتبا ليس فقط من كافة أصقاع القارة الأوربية، وإنما بالمثل من خارج أوربا: من الهند يمثلها "كاربنتييه" Caprentier و "بورغس" Borges، ومن شمالي أفريقيا "بن جلون" Ben jelloun المغربي... إلخ. فالمحك الفيصل في "انتماء" هؤلاء الكتاب إلى ما يدعى "الأدب الأوربي" - على الأقل في نظر محرري هذا الكتاب: السيدين "آنيك بنوا – ديسوسوا" Annick benoit – dusausoy و"جي فونتين " Guy Fontaine - هو أنهم يدونون أعمالهم بإحدى اللغات الأوربية، ولو اختلفت الخصوصية الثقافية لكل من مجتمعاتهم عن كل من خصوصيات المجتمعات الأوربية التي تتخاطب باللغات التي يستعملونها في التعبير عن أنفسهم من خارج أوربا. وقد أثنى المعقب على هذا الكتاب - السيد "إدجار رايخمان" - بل كال الثناء في "رسالة اليونسكو" لمحرريه على ما تحليا به من روح تأليفية Synthétique " سمحة" جعلتهما يرحبان بضم أدباء من خارج أوربا إلى حظيرة "الأدب الأوربي" الذي يناديان به "مستقرا" لكل مبدع بإحدى اللغات الأوربية. كما أشاد السيد "رايخمان" باعتراف محرري هذا الكتاب (تاريخ الأدب الأوربي) بفضل الثقافات غير الأوربية على كتاب أوربا الكبار، خاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين، كمصدر للإيحاء والاستيحاء، فهما لا يغمطان من أثر ثقافات أفريقيا، والهند، والصين، وجزر ماليزيا في أعمال كل من: "كبلنج"، و"رامبو"، و"مالرو"، و"دانيل دوفو"، و"چول فرن"، و"چوزيف كونراد"... إلخ.
ويعتقد المعلق على هذا الكتاب السيد "رايخمان" أن محرري هذا العمل قد أفلتا من التورط في المركزية الأوربية، بكل هذه "السماحة"، وذلك "الانفتاح" على سائر بقاع العالم "غير الأوربي"، بينما يلتقطان "الخيوط المشتركة " بين شتى الآداب المدونة بلغات أوربية، حتى ما كان منها منتشرا خارج أوربا. فما هو ذلك "المشترك" بين تلك الآداب المتحدثة بألسنة أوربية بحيث يجعل منها أدبا ذا هوية واحدة؟"
إنه في رأي المحررين والمعلق معا: التراث الإغريقي والروماني المشترك، واليهودي المسيحي، والبيزنطي والأوربي الشمالي. ولعل محرري كتاب "تاريخ الأدب الأوربي" يشتركان مع سواهما من الكتاب الغربيين في تبرير ما يذهبان إليه من "وحدة الأدب الأوربي" بالتركيز على النقطة الأولى، وهي "التراث الإغريقي الروماني المشترك ". إلا أن هذه الدعامة الرئيسية واهية للغاية، ليس فقط بعد أن أثبت " مارتن برنال" Martin Bernal في كتابه "أثينا السوداء" Black Athena (1987) أن حضارتي مصر القديمة وما بين النهرين يشكّلان الأصول التاريخية لثقافتي الإغريق والرومان؛ ومن ثَم فقد كشف اللثام عن الأسباب التاريخية الحديثة التي أدت إلى الترويج لأسطورة "المهد الإغريقي الر وماني" للحضارة الأوربية...
* من كتاب من التداخل إلى التفاعل الحضاري الدكتور مجدي يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق